ليعذرني الأخ العزيز الدكتور مانع سعيد العتيبة، فقد أوحت لي قصائده الجميلة في ديوانه «حوار الطرشان» بفكرة هذا المقال، ففي هذه الأيام الرمضانية الكريمة، والتي قررت فيها أيضاً الصيام عن الكلام، حيث لابد للمرء أن يدعو ويبتهل إلى الله سبحانه وتعالى أن يعيد الحكمة إلى اليمنيين والسعادة إلى اليمن. لكن متابعةً لما يدور في الكويت من مشاورات حول اليمن، فالواضح أن الحوار مع مليشيات الحوثي وصالح غريبة الأطوار وتصيب من يتابعها بدوار! فهل بالإمكان محو الانقلاب وجرائمه بحوار سقيم وعقيم؟ في شرع المليشيات أن الحوار مجرد زينة والمضرة منه دفينة، فهو يعطي للمليشيات ذريعة الاستمرارية وصك الغفران وحزام الأمان مختوم هذه المرة بختم الأمم المتحدة، والتي لم تكن حتى اليوم سفينة نجاة لا في اليمن ولا في غيره، وهذا ليس تقليلاً من شأن المنظمة الدولية ودورها ومبعوثيها في مختلف قضايا العالم الشائكة، مثل فلسطين وقبرص والبوسنة وأفغانستان والعراق وسوريا.. فهؤلاء الهم الوظيفي لديهم يطغى على البحث عن الحل المستدام. وأذكر أني قد أوضحت للمبعوث الدولي الأخ إسماعيل ولد الشيخ في أول اجتماع معه أن مهمته لابد أن تنحصر في تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 2216، ولابد أن تنفصل تماماً عن جهود ومساعي سابقه المبعوث الأممي جمال بن عمر الذي كان يدير حواراً بين القوى السياسية والوطنية في صنعاء، ومشرفاً على استمرارية الحوار الوطني الشامل، وإن عليه (أي إسماعيل) أن لا يكرر غلطة جمال وأن يكون واضحاً أمام جماعة الحوثيين والمخلوع علي عبدالله صالح بأنه سيعمل على تنفيذ القرار الدولي، لكنه للأسف لم يفعل ولم يستصدر منهم وثيقة أو التزاماً معلناً لتنفيذ قرار الأمم المتحدة 2216 الذي يعرف تفاصيله القاصي والداني، لذلك عندما وصل وفد الحوثيين وصالح إلى الكويت اعتقدوا واهمين أنهم قطعوا ثلاثة أرباع خارطة الطريق لتحقيق أطماعهم ولم يبق إلا الختم الممهور للقبول الدولي الموعود، خاصة بعد أن راجعهم الكثير من ذوي الشأن والمكانة، بل وتوسل إليهم البعض للحضور والمشاركة كطرف ندي في حوار الكويت. ويصل اليوم إلى الكويت الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، على بساط الريح، حاملاً معه مصباح علاء الدين السحري، ليقول للمجتمعين هناك: شبيك لبيك.. طلباتكم يا سادة! سنختم على أي اتفاق، والمغفرة سباقة.. ولا قصاص.. ولا أسى على ما قمتم به، وما فات مات.. فاستمرار الحوار معكم غايتنا ومبلغ سعادتنا، ويمكن أن نتناسى ونخدع الحراسَ، وإذا استطعنا أن نكتم أنفاس غالبية اليمنيين فلا بأسَ. كما أن ما يحصل في الكويت من محاولات حثيثة لإبرام اتفاق، وأي اتفاق، يذكرني مرة أخرى بحوار سابق مع المبعوث الأممي السابق جمال بن عمر في جناحه الخاص في فندق موفنبيك صنعاء، أثناء حصار المليشيات للرئيس عبد ربه منصور هادي، عندما سألته: وماذا بعد أن تنجح جهودك الماراثونية (لا سمح الله) في إبرام اتفاق لتقاسم السلطة مع الانقلابيين والمنبطحين معهم (حسب تعبيره في وصف المتحاورين مع الحوثيين)، فكان رده حاسماً وقاطعاً حين قال: هذا شأنكم أيها اليمنيون! هل سينفذ هذا الاتفاق أم لا؟ هذا ليس من شأني.. وأنا كممثل للأمم المتحدة إما أن أذهب إلى المطار وأغادر وأعلن الفشل، وهذا يعني انتهاء وظيفتي ومستقبلي، أو أن أقنع الأطراف الموجودة، وبأي ثمن، بالتوقيع على الاتفاق ومهره بختم الأمم المتحدة، وذلك قمة النجاح بالنسبة لي، وما يحصل بعد ذلك هو شأنكم ومستقبلكم أنتم كيمنيين! وفي سابقة سياسية غير موفقة، قال جمال بن عمر إنه كان على وشك توقيع اتفاق بين الحوثيين وحلفائهم لتقاسم السلطة، لولا هروب الرئيس هادي إلى عدن وبدء عملية «عاصفة الحزم». يبدو أنني سأكسب الرهان للمرة الثالثة فيما يحصل خلال اجتماعات الكويت، رغم تمنياتي القلبية وجهودي السابقة والمستمرة من أجل السلام والأمن والاستقرار والتنمية في اليمن.. إلا أن أي حوار أو اتفاق مع مليشيات انقلابية لن يكون غير حوار الطرشان ورهان خاسر لمن يتفاءل بالتزام المليشيات بأي اتفاق مهما كان نوعه.